أحدهما: أَنَّ الْقُرْآنَ لا يَنْسَخُ إِلا الْقُرْآنَ، وَلَوْ أَجَزْنَا نَسْخَهُ بِالسَّنَّةِ لاحْتَجْنَا إِلَى أَنْ نَعْتَبِرَ فِي نَقْلِ ذَلِكَ النَّاسِخِ مَا اعْتَبَرْنَا فِي نَقْلِ الْمَنْسُوخِ، وَطَرِيقُ الرِّوَايَةِ لا يَثْبُتُ ثُبُوتَ الْقُرْآنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ بِالْإِبَاحَةِ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ، وَالتَّخْصِيصُ لَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ النَّسْخَ مَا رَفَعَ الْحُكْمَ عَلَى الدَّوَامِ كَمَا كَانَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ عَلَى الدَّوَامِ.
فَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى التَّخْصِيصِ لا عَلَى النَّسْخِ، ثُمَّ إِنَّمَا يَكُونُ النَّسْخُ مَعَ تَضَادِّ اجْتِمَاعِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا ادَّعُوهُ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَصَحَّ الْعَمَلُ بِهِمَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ أَيْ: فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بِدَلِيَلِ قوله عقب ذَلِكَ ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾. ولوجاز قَتْلُهُمْ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ الْإِخْرَاجِ، فَقَدْ بَانَ مِمَّا أَوْضَحْنَا إِحْكَامُ الْآيَةِ وَانْتَفَى النسخ عنها١.