وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً﴾ عَزَلُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وتحرجوا من مخاطبتهم فَنَزَلَ قَوْلُهُ: تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ ١. وَهَذَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ لا خِلافَ أَنَّ أَكْلَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا حَرَامٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: "هَذِهِ الآيَةُ لا يَجُوزُ فِيهَا نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهَا خَبَرٌ وَوَعِيدٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي، وَمُحَالٌ نَسْخُ هَذَا، فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرُوا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَأْوِيلُهُ مِنَ اللُّغَةِ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى نسخة تلك الآية"٢.
وزعم بَعْضُهُمْ أَنَّ نَاسِخَ هَذِهِ الآيَةِ قوله تعالى: ﴿َمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ٣ وَهَذَا قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ الأَكْلَ بِالْمَعْرُوفِ لَيْسَ بِظُلْمٍ فَلا تَنَافِيَ بَيْنَ الآيتين٤.
٢ قلت: لم أجد كلام النحاس المنقول، عنه في كتابه الناسخ والمنسوخ المطبوع سنة ١٣٢٣هـ بل ولم يعد فيه هذه الآية من المنسوخة أصلاً، فليحرر.
٣ الآية السادسة من سورة النساء.
٤ قلت: ذكر نحو هذا القول هبة الله في ناسخه ص: ٣٢ - ٣٣، وابن هلال في ناسخه المخطوط ٢٢، ونقل مكي ابن أبي طالب في ناسخه ص: ١٧٥ عن ابن عباس وزيد بن أسلم أن آية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً﴾ ناسخة لقوله ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وأما المؤلف في زاد المسير٢/ ٢٤، فيقول: عن دعوى النسخ هنا: "هذا غلط وإنما ارتفع عنهم الجرح بشرط قصد الإصلاح لا على إباحة الظلم".