قُلْتُ: لَفْظُ الآيَةِ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَامَّةٌ، ثُمَّ لِهَؤُلاءِ فِيهِ قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ ١ فَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفِرُّوا عَنْ مِثْلَيْهِمْ٢.
قَالَ آخَرُونَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفِرَارِ٣. فَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَعْلَى] مِنْ [٤ عَدِدِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ذَهَبْ إِلَى نَحْوِ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ٥.
ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ ٦.

١ الآية (٦٦) من سورة الأنفال.
٢ دعوى النسخ هنا مروية عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، في جامع البيان٩/ ١٣٥، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص: ١٥٣، وذكره مكي بن أبي طالب أيضاً عنه في الإيضاح ص: ٢٥٦.
٣ روى الطبري والنحاس في المصدرين السابقين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ﴾.
٤ غير موجودة في النسختين، أضفتها كي يستقيم المعنى.
٥ تجد نص كلام الطبري في جامع البيان٩/ ١٣٥، وذهب إلى ما ذهب إليه الطبري من إحكام الآية النحاس، ومكي بن أبي طالب في المصدرين السابقين، وقالا: إنها خبر ووعيد ولا ينسخ الوعيد.
٦ الآية (٣٣) من سورة الأنفال.


الصفحة التالية
Icon