زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ اقْتَضَتْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا بِعَمَلِهِ أُعْطِيَ فِيهَا ثَوَابَ عَمَلِهِ مِنَ الرِّزْقِ وَالْخَيْرِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ ١. وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الآيتين خبر، وهذه الآية نظيرة قَوْلِهِ فِي آلِ عِمْرَانَ ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ ٢ وَقَدْ شَرَحْنَاهَا هُنَاكَ.
ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ ٣.
قَالَ: بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هَاتَانِ الآيَتَانِ اقْتَضَتَا تَرْكَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَالاقْتِنَاعَ بِإِنْذَارِهِمْ، ثُمَّ نُسِخَتَا بِآيَةِ السَّيْفِ٤.

١ الآية (١٨) من سورة الإسراء.
ذكر قول النسخ النحاس في ناسخه ص: ١٧٧ بسند ضعيف، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (٢٧٢) بدون سند، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ثم قال النحاس: "محال أن يكون ها هنا نسخ، لأنه خبر" وبه قال مكي عن أكثر الناس.
٢ الآية (١٤٦) من آل عمران.
قلت: وقد أورد المؤلف في زاد المسير٤/ ٨٣ وفي مختصر عمدة الراسخ دعوى النسخ هنا، عن مقاتل، ثم قال في التفسير: "وهذا لا يصح لأنه لا يوفي إلا من يريد" وقال في المختصر: لأن الآيتين خبر.
٣ الآيتان (١٢١ - ١٢٢) من سورة هود.
٤ عد هذه الآية ابن حزم في معرفة الناسخ والمنسوخ المطبوع على هامش التفسير المنسوب إلى ابن عباس (٣٤٢) وهبة الله بن سلامة في الناسخ والمنسوخ ص: ٥٥، وبركات بن هلال، في الإيجاز في الناسخ والمنسوخ، المخطوط ورقة (٢٧) ولم يستندوا كعادتهم إلى أي دليل نقلي أو عقلي.


الصفحة التالية
Icon