وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ غَيْرُ السَّلامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّلامَ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ، وإنما المراد بالسلام التسلّم، أَيْ: تَسَلُّمًا مِنْكُمْ وَمُتَارَكَةً لَكُمْ، كَمَا يَقُولُ: بَرَاءَةٌ (مِنْكَ) ١ أَيْ: لا أَلْتَبِسُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ اسْمَ الْجَاهِلِ يَعُمُّ الْمُشْرِكَ وَغَيْرَهُ، فَإِذَا خَاطَبَهُمْ مُشْرِكٌ، قَالُوا: السَّدَادَ وَالصَّوَابَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَحُسْنُ (الْمُحَاوَرَةِ) ٢ فِي الْخَطَّابِ لا يُنَافِي الْقِتَالَ. فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ٣.
ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقّ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿إِلاّ مَنْ تَابَ﴾ ٤.
لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلِهَؤُلاءِ فِي نَاسِخِهَا ثَلاثَةُ أقوال:
أحدها: أَنَّهُ قَوْلُهُ ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً﴾ ٥، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا٦ وَالأَكْثَرُونَ عَلَى خِلافِهِ فِي أن القتل لا
٢ في (هـ): مجاورة، بالجيم، فهو تصحيف.
وقد أحرج الطبري نحو هذا المعنى عن الحسن في جامع البيان ١٩/ ٢٢.
٣ ذكر النحاس في ناسخه ص: ٢٠٢ - ٢٠٣ ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص: ٣٢٤، والمؤلف في زاد المسير ٦/ ١٠١، دعوى النسخ في هذه الآية دون أن يبدوا آرائهم فيه. ولم يتعرض له المؤلف في مختصر عمدة الراسخ أصلاً.
٤ الآية (٦٨ - ٧٠) من سورة الفرقان.
٥ الآية (٩٣) من سورة النساء.
٦ ذكره الطبري والنحاس بإسنادهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. انظر: جامع البيان١٩/ ٢٨؛ والناسخ والمنسوخ (١١).