قَدْ زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا مُنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَنَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّا لَمْ نُوَكِّلْكَ بِهِمْ فَتُؤْخَذُ بِأَعْمَالِهِمْ فَلا يُتَوَجَّهُ نَسْخٌ١.
ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ ٢.
لِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ:
أحدهما: أَنَّهَا اقْتَضَتِ الاقْتِصَارَ عَلَى الإِنْذَارِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ السَّيْفِ فَنَسَخَتْهَا. قَالَهُ الأَكْثَرُونَ وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ مُخَاطَبَةً لِلْيَهُودِ أَيْ لَنَا دِينُنَا وَلَكُمْ دِينُكُمْ، قَالَ: ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ الآيَةَ٣ وَهَكَذَا قَالَ مِجَاهِدٌ٤.
وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا الحسين بن علي، قال: بنا عَامِرِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَسْبَاطٍ عن

١ انظر مما تقدم الآيات ص: (٦٦)، و (١٠٤) من سورة الأنعام. أورد المؤلف في المصدرين السابقين دعوى النسخ في هذه الآية ثم ردها بقوله: (ولا يصح).
٢ الآية (١٥) من سورة الشورى.
٣ الآية (٢٩) من سورة التوبة.
٤ ذكره النحاس في ناسخه بسند ضعيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، كما ذكره مكي بن أبي طالب عنه وعن مجاهد، بدون إسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ (٢١٥) والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (٣٥٠).


الصفحة التالية
Icon