فهو على هذا، الكتاب الديني الوحيد الذي يتمتع بامتياز الصحة التي لا جدال فيها، لأنه لم يثر النقد أية مشكلة حوله، سواء أكان ذلك شكلاً أم موضوعاً.
والصدر الثاني المدون عن الإسلام ينحصر في أحاديث الرسول - ﷺ -، ومن المؤسف أنه لم يتوافر لهذا الصدر ما توافر للأول من الصحة التاريخية، فإن الأحاديث لم تحفظ بالعناية المنهجية نفسها التي ظفر بها القرآن، فلقد منع الرسول في حياته الصحابة بقوة وصراحة من أن يكتبوا أقواله، حتى لا يحدث أدنى خلط ممكن بين ما ينطق به، والآيات المنزلة أي بين السنة والقرآن.
ولم تظهر أهمية الحديث إلا بعد وفاة النبي - ﷺ -، وخاصة من الناحية الشرعية بوصفها مصدراً ثانياً للتشريع الإسلامي.
وظهرت هذه الفكرة في تاريخ التشريع الإسلامي عند سفر معاذ بن جبل، الصحابي الذي اختاره الرسول ليقضي بالإسلام بين أهل اليمن، بعد غزوة حنين، وعندما أراد الرسول أن يوصيه سأله: كيف تقضي فيما يعرض لك؟ فقال معاذ: " أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد فيه، أخذت بسنة رسول الله، فإن لم أجد فيها أجتهد رأيي ولا آلو" (١).
ولقد أيد الرسول عليه الصلاة والسلام طريقة معاذ في النظر، تلك التي تعرض ضمناً المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وتعرض أيضاً القياس مصدره الثالث.
ومع تكاثر الحاجات في المجتمع الإسلامي نما هذا التشريع، فاتجه الفقهاء إلى أن يثبتوا- ما وسعهم الجهد- الأحاديث التي يجب أن تصبح عنصراً جوهرياً في