ومع ذلك فإن عارضاً قد حدث بالتأكيد فغير مجرى حياته. فما هو هذا الذي حدث؟ لقد جاء أحد إخوته في الرضاعة ذات يوم مبهور الأنفاس، ليقص متلعثماً على حليمة المذعورة حادثاً غريباً فاجأ محمداً، فهبت حليمة من فورها تبحث عن رضيعها، فلما لقيته أكد لها ما حدث قائلاً: (جاءني رجلان يلبسان البياض فأمسكاني وفتحا صدري وقلبي وأخرجا منه علقة سوداء) (١).
وترى السيرة في هذه القصة اقتلاعاً رمزياً للإثم من جذوره، وربما أورد لها بعض المفسرين قوله تعالى:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ [الانشراح ٩٤/ ١ و٣ و٣].
ولكن من الثابت أن حليمة قد أعادت الطفل إلى مكة عندما كان في الرابعة أو الخامسة من عمره.
فماذا يمكن أن ينطبع في عقله من هذه الحقبة من الحياة الوثنية والبدوية؟.
لا شيء- بكل تأكيد- يمكن أن يكون قد علق بذاته فيما يتعلق بالدعوة المقبلة.
وبعد قليل ماتت أمه (آمنة)، ولم يعد للغلام منزل أبوة، فضمه جده (عبد المطلب) إليه.