﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ﴾ [القصص ٢٨/ ٨٦].
فهل معنى هذا إلا أنه لم يكن لديه أدنى أمل في أن يقوم بدور في دعوة من أجله هو، لا قبل عزلته ولا خلالها، ومع ذلك فهذا هو المعنى النفسي للآية، الذي غابت أهميته التاريخية عن الأستاذ (درمنجهام)، مع أنه لم يَرْتَب مطلقاً في صحة القرآن التاريخية.
وفضلاً عن ذلك فيجب أن نذكر أن تفسيراً كهذا ليس مرتبطاً إلا بشرط واحد ضروري وكاف، هو الإخلاص المطلق عند النبي - ﷺ -، وهذا على وجه التحديد هو هدف هذا القياس، لكي نرى في القرآن اعتماداً على صفته التاريخية الأكيدة، مرآة للماضي، أو شيئاً أشبه بمرآة عاكسة يمكننا أن ندرك فيها - بطريق العكس- الأطوار المختلفة التي مرت بها الذات المحمدية خلال تاريخها، فنرى في الآية المذكورة الصورة الصحيحة لحالة النفس عند (محمد) أيام غار حراء. وإذن فليس هنالك من سبب لأن ننسب (للصادق الأمين) نية مبيتة للتأمل في مشكلة ميتافيزيقية لحظة تهيئه للإنسحاب والعزلة بعد الزواج، ولسوف تدعم نتائج القياس الحالي هذا الحكم المسبق. ومع ذلك فهناك نقطة غامضة هي أن المؤرخين المحدثين يعجبون من أن السيرة ليس لديها غير القليل من المعلومات عن هذه العزلة التي تعد مرحلة رئيسية- من الوجهة النفسية- بالنسبة لتاريخ الدعوة المستقبلة.
ولسنا نملك في الواقع غير القليل من التفاصيل عن هذا الموضوع، ولكن هذا لا يثير عجباً، فإن التاريخ لا يستطيع إلا أن يتبع آثار نبي المستقبل في ذاكرة معاصريه؛ والواقع أنه قد توارى واختفى عن أعين الزمان، لكي يبقى خلال خسة عشر عاماً معتزل مكة، أو معتزل غار حراء.


الصفحة التالية
Icon