فمن المعروف بأية عناية أوضح الفيلسوف الفرنسي تأملاته، وهو يضع تلك القاعدة المنهجية التي لا تقبل غير الأفكار الواضحة والمحددة. فهو لم يشأ بذلك التكلم عن الأمور التي تنظر إلى الإيمان والمثل، ولكن عن الحقائق المجردة التي لا يمكن معرفتها إلا بالضوء الطبيعي وحده.
فإذا كان (ديكارت) قد اضطر إلى مثل هذا التحفظ، لأنه يعد الإيمان المسيحي تكتنفه أمور غامضة بوصفه موضوعاً، فمنذا الذي لا يرى أن هذا التحفظ لا محل له في العقيدة القرآنية؟.
مهما يكن من أمر فإنني لا أرى جيداً السبب الذي يستطيع أن يسوغ التقليل من شأن الفكر الديكارتي. فهناك انطباع بأنك تضعف بطريقة منهجية من شأن هذا الفكر، كما لو أن ديكارت ذلك الوجه الكبير في الفلسفة الحديثة، كان كافراً أو متشككاً أو رجلاً يعتقد بسذاجة، بكمال الفكر الإنساني واستقلاليته المطلقة تجاه كل تحسس خارجي، مستمد من الطبيعة أو مما هو فوق الطبيعة.
ولهذا أتمنى أن تحمل الطبعات القادمة ما يبدد بعناية هذا الالتباس.
وهناك ملاحظة أخرى صغيرة.
إنها تتعلق بحياة محمد - ﷺ -.
يبدو لي أنك أخذاً بتأكيدات بعض المستشرقين، قبلت بدون صعوبة افتراضهم حول مدة اعتكاف النبي قبل نزول الوحي.
فنحن نعلم موضوعهم المفضل في هذا الإطار.
إنه يرتكز على القول إنها فترة احتضان وتخمر للأفكار الدينية التي سبقت وضوح القرآن في الوعي المحمدي.
وبما أن فكرة تهدف لعمل واسع عظيم كالقرآن، لا يمكن التصور بأن تتحدد


الصفحة التالية
Icon