وفي الصلاة الأخيرة التي أقامها بنفسه في المسجد، أعلن للحاضرين رغبته في أن يقضي ما عليه من ديون قائلاً:

" أيها الناس من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا، ألا وإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة وإن عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده " (١).
لقد ذاب الصحابة الذين أدركوا هذه الإشارة في دموعهم، وبعد شهوده يومين أو ثلاثة صلاة الجماعة، لزم حجرة زوجه عائشة حتى النهاية. وعندما حل الأجل، كان رأسه مستنداً إلى ذراع زوجه التي سمعته وهو يتمتم بتلك الكلمات الأخيرة: "اللهم في الرفيق الأعلى" (٢).
كان هذا هو الكلام الأخير الذي ختم بالنسبة للتاريخ حقيقة هذه الذات التي حاولنا تخطيط صورتها النفسية، لكي نجلو الظاهرة القرآنية.
ولقد حاولنا حين جلونا معالم هذا الوجه المثالي أن نبرز السمات الخاصة بمحمد (الرجل) لي نتلقى منه- في بحثنا للقضية- شهادته على محمد (النبي).
ولا شك أن هذه الشهادة تكون عنصراً ثميناً في دراستنا، فهي على كل حال شهادة رجل شهد له زمانه على لسان امرأة، بهذا الحكم الأخير (٣): "أي رسول الله!! أنت حتى في قبرك، أملنا الغالب، لقد عشت بيننا طاهراً مخلصاً منصفاً، وكنت لكل إنسان هادياً حكيماً منيراً" (٤).
(١) كذا في رواية ابن الأثير ج ٢ [ص: ١١٦] الطبعة المنيرية ١٣٤٩هـ.
(٢) رواه البخاري.
(٣) ورد هذا في رثاء عمته صفية. (المؤلف)
(٤) لعل هذه ترجمة لبعض ما أنشدته عمته السيدة صفية في رثائه من مثل قولها:
فإما تمس في جدثٍ مقيماً فقد ما عشتَ ذا كرم وطيب
وكنتَ موفقاً في كلِ أمر وفيما نابَ منْ حدثِ الخطوب
وقولها:


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
فلقدْ كان بالعباد رؤوفاً لهم رحمةً وخير رَشيد