ولا أدري ما الذي ألجأ أخي مالكاً إلى ذكر (تفسير القرآن) ومنهجه القديم في هذا الوضع.. ؟.. إنه إقحام لباب من علوم الإسلام قائم برأسه لا يمسه فرض (مرجليوث) من قريب أو بعيد. وعلم تفسير القرآن كما أسسه القدماء، لا يقوم على موازنة الأساليب، اعتماداً على شعر الجاهلية أو شعر غير الجاهلية، وإذا اقتضتنا الحاجة أن ندخل تعديلاً على منهج التفسير القديم، فإنه عندئذ تعديل لا علاقة له البتة بالشعر الجاهلي، لا من قبل الشك في صحته، ولا من قبل موازنة الأساليب الجاهلية بأسلوب القرآن. وكل ما عند القدماء من ذكر الشعر الجاهلي في تفسيرهم، فهو أنهم يستدلون به على معنى حرف في القرآن، أو بيان خاصة من خصائص التعبير العربي، كالتقديم والتأخير والحذف وما إلى ذلك، وهذا أمر يصلح له شعر الجاهلية، كما يصلح له شعر الإسلام؛ وغاية علم تفسير القرآن- كما ينبغي أن يعلم- إنما هي بيان معاني ألفاظه مفردة، وجمله مجتمعة، ودلالة هذه الألفاظ والجمل على المباني، سواء في ذلك آيات الخبر والقصص، وآيات الأدب وآيات الأحكام، وسائر ما اشتملت عليه معاني القرآن. وهو أمر عن (إعجاز القرآن) بمعزل.
أما الأمر المرتبط بالشعر الجاهلي، أو بقضايا الشعر جميعاً، والمتصل بأساليب الجاهلية وغير الجاهلية، وأساليب العربية وغير العربية وموازنتها بأسلوب القرآن، فهو علم (إعجاز القرآن)، ثم (علم البلاغة).
ولا مناص لمتكلم في (إعجاز القرآن)، من أن يتبين حقيقتين عظيمتين قبل النظر في هذه المسألة، وأن يفصل بينهما فصلاً ظاهراً لا يلتبس، وأن يميز أوضح التمييز بين الوجوه المشتركة التي تكون بينهما:
أولاهما: أن (إعجاز القرآن) كما يدل عليه لفظه وتاريخه، وهو دليل النبي - ﷺ - على صدق نبوته، وعلى أنه رسول الله يوحى إليه هذا القرآن، وأن النبي - ﷺ - كان يعرف (إعجاز القرآن) من الوجه الذي عرفه منه سائر من آمن به


الصفحة التالية
Icon