فالمشكلة بوضعها الراهن إذن تتجاوز نطاق الأدب والتاريخ، وتهم مباشرة منهج التفسير القديم كله، ذلك المنهج القائم على الموازنة الأسلوبية معتمداً على الشعر الجاهلي بوصفه حقيقة لا تقبل الجدل.
وعلى أية حال، فقد كان من الممكن أن تثور هذه المشكلة تبعاً للتطور الجديد في الفكر الإسلامي، وإنما بصورة أقل ثورية لأن ضرورات التطور تقضي بتعديل منهج التفسير القديم تعديلاً، يناسب في حكمة وروية مقتضيات الفكر الحديث. ولكن يخيل إلينا أن (مرجليوث) أراد بفرضه أن يفرض على المشكلة تطوراً ثورياً، حين أدخل في الوقت المناسب ما يشبه (الديناميت) الذي قد ينسف كل مناهج التفسير القديم.
لقد قام إعجاز القرآن حتى الآن على البرهان الظاهر على سمو كلام الله فوق كلام البشر، وكان لجوء التفسير إلى الدراسة الأسلوبية لكي يضع لإعجاز القرآن أساساً عقلياً ضرورياًت فلو أننا طبقنا نتائج فرض (مرجليوث) كما فعل الدكتور (صباغ) لانهار ذلك الأساس. ومن هنا توضع مشكلة التفسير في صورة خطيرة بالنسبة لعقيدة المسلم، أعني بالنسبة إلى إعجاز القرآن في نظر هذا المسلم. وربما لم يكن التطور العقلي ليقصر عن دفع شبابنا الجامعي إلى ملاحظة تقادم القياس القديم إن آجلاً أو عاجلاً، ذلك القياس الذي كان يقدم حتى ذلك الحين الدليل القاطع على المصدر الغيبي للقرآن. أما بالنسبة للعقل ذي الصبغة الديكارتية فأية قيمة تبقى لبرهان يبدو منذئذ وقد فقد موضوعيته، وأصبح ذاتياً محضاً. وهذا الموضوع لا يتصل ببيان القرآن الذي بقي على ما هو عليه حين نزوله، ولكن بوضع المسلم نفسه.
والحق أنه لا يوجد مسلم وخاصة في البلاد غير العربية، يمكنه أن يوازن موضوعياً بين آية قرآنية، وفقرة موزونة أو مقفاة من أدب العصر الجاهلي، فمنذ وقت طويل لم نعد نملك في أذواقنا عبقرية اللغة العربية، ليمكننا أن نستنبط


الصفحة التالية
Icon