فهناك إذن نظريتان رئيسيتان متضادتان بصدد المشكلة التي تعرضها علينا الظاهرة الدينية.
وسيكون من السذاجة طبعاً أن نزيل هذا التعارض الفلسفي بحل رياضي، كما أراد ذلك بعض مفكرينا المغرمين بالطريقة العلمية. ربما لأنهم تناسوا المبادئ الأولية للعلم الوضعي نفسه. ومع ذلك يجب ألا ننسى أن هندسة إقليدس ذاتها الموغلة في الدقة العلمية لا تعتمد إلا على فرض، لا على برهان رياضي. وإن الأمر لكذلك بالنسبة إلى جميع النظريات الهندسية التي نشأت بعد إقليدس.
وأياً ما كان الأمر، فإن ما يطلب من أي مذهب- حين يضع مبدأه الأساسي- أن يكون دقيقاً متواثقاً مع نفسه، متوافقاً في جميع نتائجه.
وهذه هي الطريقة العلمية الوحيدة للحكم على القيمة العقلية لأي مذهب في ذاته، وعلى قيمته بالنسبة لأي مذهب آخر.
وليس التناقض في المسألتين اللتين قررناهما بوصفهما نتيجتين للظواهر الدينية، قائماً بين الدين والعلم على غرار ما يوحي به بعضهم، إذ أن العلم لم يبرهن على عدم وجود الله أو وجوده- كما نسلم بذلك مبدئياً- بل النزاع هنا بين دينين، بين الألوهية والمادية، بين الدين الذي يسلم بوجود الله! وذلك الذي (افترض) المادة!!
والهدف من هذا الفصل هو الموازت بين هذين المذهبين الفلسفيين: ذلك الذي يعد الضمير الديني للإنسان ظاهرة أصلية في طبيعته، ظاهرة معترفاً بها بوصفها عاملاً أساسياً في كل حضارة ة والآخر الذي يعد الدين مجرد عارض تاريخي للثقافة الإنسانية، ومع ذلك فإن نتائج هذا الفصل ستعتمد على نتائج الفصول التالية، التي ستقدم نوعاً من البرهان اللاحق المدعم بما يسمى (الظاهرة


الصفحة التالية
Icon