وإنه ليبدو حقاً أن تعقيد الظاهرة الدينية قد أضل الأفكار الديكارتية، وأننا ما زلنا- بلا شك- مزعزعين أمام المشكلة التي تشتمل على ربط أحداث متباينة، كمذهب وحدة الوجود والشرك والوحدانية في نطاق واحد.
ولقد لاحظنا في الفصل السابق ضرورة وضع فرض هو التسليم بوجود (الله)، وسنبحث هنا واقعاً خاصاً هو (التوحيد) الذي قدم لنا برهانه الأسمى على ألسنة الأنبياء، وبذلك أصبح فيصلاً في مجموع الظاهرة الدينية.
والواقع أن تتابع ديانات التوحيد دليل يمكن فحصه دائماً من الناحية الاعتقادية فحصاً يقوم على أساس النقد، ويتمثل هذا التتابع في ظهور النبوة وجميع المظاهر الأدبية والروحية التي تصحبها.
ومنذ (إبراهيم) عليه السلام تتابع أفراد مدفوعون بقوة لا تقاوم، جاؤوا يخاطبون الناس باسم (حقيقة مطلقة) يقولون إنهم يعرفونها معرفة شخصية، وخاصة، بوسيلة سرية هي الوحي.
ويقول هؤلاء الرجال إنهم مرسلون من (الله) ليبلغوا كلمته إلى البشر، هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يسمعوها مباشرة.
وخصوصية هذا الوحي ومضونه، هما الأمارتان الميزتان المثبتتان لرسالة النبي. هذا إلى أنها هي السمة المميزة للنبوة، وهي الحقيقة الجوهرية في مذهب التوحيد وبرهانه الواقعي.
***


الصفحة التالية
Icon