وسيطلق لفظ (النبي) أيضاً على كاهن الإله (بعل)، كما يلاحظ ذلك في كتاب (يونان) أو يونس. وعندما جاء الأنبياء مثل (عاموس وأرمياء) ليقلبوا هذا المجتمع البدعي بصرخاتهم وتنبؤاتهم المروعة التي خلقت جواً مضطرباً، وأستحوذ على الجماهير لون من المحاكاة أو التقليد تبعاً للموقف الجديد، بدأ جميع (الأنبياء) في التنبؤ، كلٌّ من ناحيته، وبذلك نشأت حركة التنبؤات المزعومة، فوجدنا كلا الوجهين: رجل الدعوة الصادق ومدعي النبوة، يتطوران معاً في تاريخ هذه الحقبة التي منحت إقبالها أحياناً لنبي مدّعٍ هو (حنانيا)، بينما تصاممت عن الدعوة اليائسة المروعة للنبي (أرمياء).
وعلى كل، فإن هذا العصر قد خلط بين شخصيتين متميزتين، وغالباً متخاصتين، وتمثلان تيارين مختلفين للفكر متعارضين غالباً.
ولقد تجلى هذا الخلط في التعميمات المفرطة في الدراسات الحالية للظاهرة النبوية، وهي التعميمات التي تقحم الصفات الخاصة بالنبي في نموذج مطرد هو: (العراف). ومن خلال هذا النموذج يريد النقد الحديث أن يكشف حقيقة النبوة التي سبق أن اعتبرها ظاهرة ذاتية، وهو بذلك يعطل منذ البداية دراسة الظاهرة حين يؤكد (أن ما يراه العراف ويسمعه في حالات انجذابه وغيبوبته رهن بشخصيته، وربما يكون هذا ثمرة ناضجة في اللاشعور، من تأملاته ومن أحواله الدينية السابقة، ومن ميوله الداخلية المتعمقة في وجوده كله، التي تتجلى حينئذ أمام ضميره كأشياء تبدو له خارجة عنه).
هذا النص يهدف بوضوح إلى جعل النبوة من المجال الذاتي للنبي، دون أن يهتم بشهادة هذا الأخير الذي يؤكد بكل قوة أنه يرى ويسمع موضوعه خارج مجاله الشخصي.
***