(رد عام لفكرة الوحي النفسي)
إن فكرة الوحي النفسي كما صوروه مبنية على وجود معلومات وأفكار مدخرة في العقل الباطن وأنها تظهر في صورة رؤى ثم تقوى فيخيل لصاحبها أنها حقائق خارجية، فهل كان الدين الذي جاء به خاتم الأنبياء بعقائده وتشريعاته في العبادات والمعاملات، والحدود والجنائيات، والاقتصاد والسياسة، والأخلاق والآداب، وأحوال السلم والحرب مركوزا ومدخرا في نفس النبي صلى الله عليه وسلم
هذا ما تنكره العقول بداهة؛ لأن ما جاء به النبي في العقائد يعتبر مناقضا لكل ما كان سائدا في العالم حينئذ من عقائد كالوثنية، والمجوسية، والتأليه، والتثليث والصلب، وإنكار البعث واليوم الآخر، وكذلك جاء النبي بتشريعات ما عرفت في الشرائع السابقة سماوية وغير سماوية، واشتمل القرآن على أسرار في الكون، والآفاق والأنفس ما كانت تخطر على بال بشر قط، ولم يظهر تأويلها إلا بعد تقدم المعارف في العصر الأخير، فكيف تكون هذه الأسرار من داخل نفس النبي ﷺ وهي لم تخطر له على بال.
وأيضا فإن الوحي بعد نزول صدر سورة «اقرأ» على النبي وهو يتعبد بغار حراء قد انقطع مدة من الزمان، لم ينزل فيها قرآن، فكيف سكت النبي طوال هذه المدة، وهو صاحب العقل الباطن المملوء بالمعارف، والوجدان الملتهب، والنفس المتوثبة للإصلاح أخبرونا يا أصحاب العقول.
ثم إن العقل الباطن على ما يقول علماء النفس، إنما يفيض بما فيه في غفلة من العقل الظاهر، ولذلك لا يظهر ما فيه إلا عن طريق الرؤى والأحلام، الأمراض، كالحمى مثلا، وفي الظروف غير العادية، والقرآن الكريم نزل على النبي ﷺ وهو في اليقظة، وفي اكتمال من عقله وبدنه، ولم ينزل منه شيء في الرؤى والأحلام، وهكذا نرى أن ما استندوا


الصفحة التالية
Icon