الشغل خارج البيت كرعي المواشي، وركوب الخيل إلى العين ومنها إلى البيت، وكان الناس في جوار (دومري) - يعني بلدها- متمسكين بالخرافات، ويميلون إلى حزب (أوليان) في الانقسامات التي مزقت مملكة فرنسا، وكانت (جان) تشترك في الهياج السياسي والحماس الديني، وكانت كثيرة التخيل والورع، تحب أن تتأمل في قصص العذراء، وعلى الأكثر في نبوءة كانت شائعة في ذلك الوقت، وهي أن إحدى العذارى ستخلص فرنسا من أعدائها، ولما كان عمرها ثلاث عشرة سنة كانت تعتقد بالظهورات الفائقة الطبيعية، وتتكلم عن أصوات كانت تسمعها، ورؤى كان تراها، ثم بعد ذلك ببضع سنين خيل لها أنها قد دعيت لتخلص بلادها، وتتوج ملكها، ثم أدفع (البرغنيور) تعديا على القرية التي ولدت فيها، فقوى ذلك اعتقادها بصحة ما خيّل لها» (١).
وكان انتصارها سنة (١٤٢٩ م) ثم ذكر أنها بعد ذلك زالت أخيلتها الحماسية، ولذلك هوجمت في السنة التالية (١٤٣٠ م) فانكسرت وجرحت وأسرت.
وهكذا يتبين لنا مما ذكره أن دعوتها شبيهة بدعوات من زعم أنه المهدي المنتظر، ودعوة الباب الإيراني، وكذا البهاء والقادياني، وأمثالهم ممن زعموا أنهم يوحى إليهم، ووجدوا من يغتر بدعواتهم، فأين هذه النوبة العصبية القصيرة الأجل المعروفة السبب، والتي لا دعوة فيها إلى دين وعلم ولا إصلاح اجتماعي أو أخلاقي، والتي لم تلبث أن أفل نجمها، وغربت شمسها، أين هذه الدعوة من دعوة الأنبياء ولا سيما سيدنا محمد ﷺ هذه الدعوة التي قامت في بيئة هي أبعد ما تكون عن العلم والمعرفة وأقوى ما تكون عنادا وصلابة وعنجهية، والتي تعرضت لتكالب جيوش الشر والغدر، والحقد والعصبية من العرب والرومان والفرس، فإذا بها تصرعهم جميعا، وتهزمهم في عقر دارهم، وتتمخض عن ميلاد أمة هي خير أمة أخرجت

(١) الوحي المحمدي ص ٧٩ - ٨٠.


الصفحة التالية
Icon