بالنوبات الصرعية النفسية، وهو ما يشبه أن يكون النوع الذي افتراه الخصوم على الرسول بأنه مصاب به، وفي هذه الحالة تمر بذهن المريض ذكريات أو أحلام مرئية أو سمعية أو الاثنان معا وتسمى «بالهلاوس» وقد أثبت الطب أيضا أن الذكريات التي تمر بالمريض لا بد أن يكون قد عاش فيها المريض نفسه حتما؛ إذ أن النوبة الصرعية ما هي إلا تنبيه لصورة أو صوت مر بالإنسان ثم احتفظ به في ثنايا المخ، وقد أمكن طبيّا إجراء عملية التنبيه هذه بوساطة تيار كهربائي صناعي سلّط على جزء خاص في المخ فشعر المريض بنفس «الهلاوس» التي تنتابه في أثناء نوبة الصرع، وكلما تكررت نوبة الصرع تكررت نفس الذكريات أو «الهلاوس» فهذا مريض يسمع أغنية، أو قطعة من شعر، أو حديثا من أيّ نوع كان في نوبة صرعه، ويتكرر سماعه لها في كل نوبة، ولا بد أن يكون ما سمعه في النوبة قد سمعه يوما في طفولته، أو شبابه، أو قبل مرضه، وكذلك إذا كانت النوبة تثير منظرا لا بد أن يكون قد مر عليه.
وبتطبيق ما قرره الطب الحديث في حقائق الصرع على ما كان يعتري النبي ﷺ نجده يردد آيات لا يمكن إطلاقا أن يكون قد سمعها من قبل في حياته، فهي آيات واردة على لسان الحق سبحانه وتعالى قبل أن يعمر البشر الأرض مثل قوله سبحانه: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) [سورة البقرة: ٣٤ - ٢٥].
وآيات أخرى فيها قول الله يوم القيامة مثل: حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) [النمل: ٨٤] وقوله سبحانه:
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) [المائدة: ١١٩].
وكذلك الآيات التي تحكي عصور ما قبل الإسلام، والمقاولات والمحاورات التي جرت بين أقوام عاشوا قبل الرسول بآلاف السنين وذلك مثل قوله سبحانه وتعالى: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ