إلا بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله: «جاورت في حراء (١)، فلما قضيت جواري هبطت، فاستبطنت الوادي، فنوديت فنظرت أمامي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فإذا هو (٢) جالس على عرش بين السماء والأرض، فأتيت خديجة، فقلت: «دثروني» وصبوا علي ماء باردا، وأنزل علي يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤).
وقد أجاب القائلون بالأول عن هذا بأجوبة أحسنها وأخلقها بالقبول:
١ - أن يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) أول ما نزل بعد فترة الوحي، أما «اقرأ» فهي أول ما نزل على الإطلاق.
ويؤيد هذا التأويل ويقويه ما رواه الشيخان أيضا من طريق الزهري- واللفظ للبخاري (٣) - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي ﷺ وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبا» (٤)، فقلت: «زملوني، زملوني، فدثروني»، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) إلى وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) - قبل أن تفرض الصلاة- وهي الأوثان» (٥).
فقوله: وهو يحدث عن فترة الوحي (٦) نص على أن ذلك كان بعد فترة

(١) أي أقمت فيه مدة متعبدا، وكان ذلك قبل النبوة، وبعدها، وكان يجاور فيه في رمضان غالبا.
(٢) أي الذي رأيته قبل هذا في حراء، والمراد به جبريل.
(٣) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة المدثر.
(٤) أي سقطت من الخوف.
(٥) تفسير للرجز، صحيح البخاري- كتاب التفسير- تفسير سورة المدثر، صحيح مسلم- كتاب الإيمان- باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٦) وقد اختلف في هذه الفترة فقيل: أربعون يوما، وقيل: ستة أشهر، وقيل: السنتان ونصف والأول هو ما اخترته ورجحته في كتابي «السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة» ج أول ص ٢٦٧.


الصفحة التالية
Icon