السور نزولا كما يفهم ذلك من صنيع المرتبين للسور، على حسب نزولها.
القول الرابع:
إن أول ما نزل هو قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ واستند القائل بهذا إلى ما أخرجه الواحدي بإسناده عن عكرمة والحسن، قالا: أول ما نزل من القرآن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وأول سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وأخرج ابن جرير، وغيره عن ابن عباس قال: أول ما نزل جبريل على النبي ﷺ قال: يا محمد، استعذ، ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وقد أجاب السيوطي عن هذا القول، فقال: وعندي أن هذا لا يعد قولا برأسه، فإن من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها، فهي أول آية نزلت على الإطلاق (١).
أقول: وهذا الجواب غير مسلم فالأحاديث الصحيحة في بدء الوحي كحديث عائشة وغيره لم تذكر قط نزول البسملة مع صدرها، والظاهر أنها نزلت بعد. عند نزول تمام السورة.
وقد ذكر «ابن عطية» في مقدمة تفسيره- عند حكاية هذا القول- أن في بعض طرق حديث خديجة، وحملها رسول الله ﷺ إلى ورقة بن نوفل أن جبريل قال للنبي ﷺ قل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقالها، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ (٢)، فإذا ثبت هذا يكون مؤيدا لما أجاب به السيوطي.
نعم هذه الآثار والأحاديث لا تنهض لمعارضة حديث عائشة المرفوع الذي اتفق عليه صاحبا الصحيحين، فهو في أعلى درجات الصحة.
«إزالة إشكال»: لكن يشكل على الوجه الذي رجحناه، ما رواه الشيخان عن عائشة قالت: «إن أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار؛ حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام؛ لأنه ليس
(٢) مقدمتان في علوم القرآن ص ٢٨٩.