وقد جمع السيوطي بين هذه الأقوال الثلاثة فقال: «ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا، وآية وَاتَّقُوا يَوْماً... وآية الدين لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنها قصة واحدة، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر، وذلك صحيح (١). ومقتضى هذا الجمع من الإمام السيوطي أن آية الدين آخر ما نزل من القرآن على الإطلاق.
ولكني أقول: إن في النفس من هذا التوفيق شيئا، وما ذكره غير مسلم له، فقد سمعت آنفا قول الفاروق عمر- رضي الله عنه- في أن آية الربا من أواخر الآيات، لا آخرها؛ واستدلال السيوطي بأن الآيات الثلاث في قصة واحدة- غير مسلم فالآية الأولى في ترك ما بقي من الربا عند المدينين بعد نزول آية التحريم، والثانية في التذكير باليوم الآخر، وما فيه من جزاء، والثالثة في أحكام تتعلق بالدين، فكيف يقال إذا إنها في قصة واحدة!!
ومما يضعف هذا الطريق في الجمع أيضا، أن آية الربا نزلت (٢) لما أسلمت ثقيف وأرادوا أن يستمروا على رباهم؛ فاشتكى بنو المغيرة- وكانوا مدينين لهم- إلى عامل رسول الله ﷺ فأنزل الله الآية آمرة لهم أن يتركوا ما بقي لهم من رباهم قبل التحريم، وإلا فليأذنوا بحرب من الله ورسوله، وثقيف إنما كان إسلامهم في رمضان في السنة التاسعة، والظاهر أن هذه القصة كانت بعد إسلامهم، وأين زمن إسلامهم من زمن اختتام القرآن قبيل وفاة الرسول!
وقد ذهب الحافظ ابن حجر في «الفتح» إلى نحو ما ذكرت، ورجح أن آية وَاتَّقُوا يَوْماً... هي الأليق بالختام فقال: طريق الجمع بين القولين:
القول بآية الربا، والقول بآية وَاتَّقُوا يَوْماً... أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن، وأما ما سيأتي في آخر سورة النساء من حديث البراء: «آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت: يَسْتَفْتُونَكَ
(٢) أسباب النزول للسيوطي على هامش تفسير الجلالين ج ١ ص ٦٩.