وأما إن قال- كل من الراويين أو الرواة-: نزلت هذه الآية في كذا فهذه العبارة ليست نصّا في السببية كما ذكرنا، بل تحتمل بيان التفسير والمعنى، فإن كان اللفظ يحتمل قول كل حمل على الجميع، وإلا ترجح ما يقتضيه اللفظ أو يشهد له السمع، أو تؤيده الأدلة.
وأما إذا كانت كل من الروايتين أو الروايات نصّا في بيان السبب، فهنا يكون البحث والنظر، ولنفرد لذلك عنوانا، فنقول:
تعدد الأسباب، والمنزل واحد
إذا ذكر كل من الراويين أو الرواة عبارة هي نص في السببية، فلذلك أحوال أربعة، لأنها:
١ - إما أن تكون إحدى الروايتين صحيحة، والأخرى غير صحيحة.
٢ - إما أن تكون كل منهما صحيحة، ولكن يمكن الترجيح.
٣ - وإما أن تكون كل منهما صحيحة، ولا يمكن الترجيح، ولكن يمكن نزول الآية عقبها.
٤ - وإما أن تكون كل منهما صحيحة، ولا يمكن الترجيح، ولا نزول الآية عقبها.
وإليك حكم كل حالة من هذه الحالات، وذكر أمثلتها:
الحالة الأولى:
أن تكون إحدى الروايتين صحيحة، والأخرى غير صحيحة، فالمعتمد عليه في السبب: هي الصحيحة وترك الأخرى غير الصحيحة، مثال ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما، عن جندب قال: اشتكى النبي ﷺ فلم يقم ليلة، أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك.
فأنزل الله: وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣).
وما أخرجه الطبراني، وابن أبي شيبة في مسنده، والواحدي وغيرهم بسند فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة، عن أمه، عن أمها- وكانت


الصفحة التالية
Icon