لفظ «اليتيم» فيكون في ذلك إخلال باللفظ وإفساد للمعنى، وفي ذلك ضرران محققان، وأمران محظوران؛ وإما أن يقرئه المعنى بلفظ يستقيم به لسانه؛ فيستقيم المعنى، ويبقى الإخلال باللفظ ريثما يتسهل له النطق بالأصل ففيه ضرر واحد. ولا شك أن ارتكاب أخف الضررين، وأهون المحظورين- عند الضرورة- أولى من ارتكابهما معا.
قال القرطبي في تفسيره (١) - نقلا عن أبي بكر الأنباري-: ولا حجة في هذا للجهال من أهل الزيغ أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره؛ لأن ذلك إنما كان من عبد الله تقريبا للمتعلم، وتوطئة له للرجوع إلى الصواب، واستعمال الحق، والتكلم بالحرف على إنزال الله، وحكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال صاحب الانتصاف تعقيبا على قول الزمخشري: قال أحمد (٢):
لا دليل لذلك وقول أبي الدرداء محمول على إيضاح المعنى، ليكون وضوح المعنى عند المتعلم عونا على أن يأتي بالقراءة كما أنزل... على هذا حمله القاضي أبو بكر في كتاب «الانتصار» وهو الوجه.
وكذلك أنس- رضي الله عنه- لم يرد أن هذا قرآنا، وإنما أراد توضيح المعنى، وتفسير لفظ القرآن، قال الإمام الرازي في تفسيره (٣) بعد أن ذكر رواية أنس، استدلال ابن جني بها على الجواز: وأنا أقول: يجب أن نحمل ذلك على أنه إنما ذكر تفسيرا للفظ القرآن، لا على أنه جعله نفس القرآن، إذ لو ذهبنا إلى ما قاله ابن جنّي لارتفع الاعتماد عن ألفاظ القرآن ولجوزنا أن كل أحد عبر عن المعنى بلفظ رآه مطابقا لذلك المعنى، ثم ربما أصاب في ذلك الاعتقاد، وربما أخطأ، وهذا يجر إلى الطعن في القرآن،
(٢) هو الإمام أحمد بن المنير عالم الإسكندرية وقاضيها وخطيبها، وهو صاحب كتاب «الانتصاف من صاحب الكشاف».
(٣) ج ٨ ص ٢٣٧.