واقتصر بعضهم على الإنزال والكتابة في المصاحف، والنقل تواترا، لأن المراد تعريفه لمن لم يدرك زمن النبوة، وإنزال الألفاظ والكتابة في المصاحف والنقل تواترا من أبين اللوازم للقرآن وأوضحها بخلاف الإعجاز فليس من اللوازم البينة؛ إذ لا يعرفه إلا الخواص الواقفون على أسرار اللغة وأساليبها، كما أنه ليس شاملا لكل جزء؛ إذ المعجز هو السّورة أو مقدارها.
واقتصر البعض على النقل في المصاحف تواترا، لأنه كاف في الغرض المقصود، وهو تمييز القرآن عن جميع ما عداه، فقد ثبت أن الصحابة- رضوان الله عليهم- بالغوا في ألا يكتب في المصحف ما ليس منه، مما يتعلق به، حتى النّقط والشّكل، واحتاطوا في ذلك غاية الاحتياط، حتى لا يختلط القرآن بغيره.
واقتصر بعضهم على ذكر الإعجاز فحسب، لأنه وصف ذاتي للقرآن إذ هو الآية العظمى المثبتة لرسالة نبينا «محمد» صلى الله عليه وسلم، ولكون القرآن المنزل عليه من عند الله لا من عند البشر.
ولما كان بحثنا في هذا العلم، إنما يتعلق بنظمه العربي المبين، فقد آثرت ألا أتعرض للقرآن من حيث كونه كلام الله، وصفة من صفاته، لأن هذا البحث محله «علم الكلام» (١).

(١) كما بحث المتكلمون في القرآن من جهة كونه كلام الله وصفة له، بحثوا فيه أيضا من جهة لفظه العربي المنزل على النبي.. وهم في تعريفهم للقرآن من هذه الجهة لم يخرجوا عما ذكره الأصوليون والفقهاء وعلماء العربية في تعريفه وعرفوه من الجهة الأولى بأنه: «الصفة القديمة القائمة بذاته تعالى المتعلقة بالكلمات الحكمية من أول سورة «الفاتحة» إلى آخر «الناس»، وهذه الكلمات الحكمية أزلية مجردة عن المواد مطلقا حسية كانت أو خيالية أو روحانية وهي مترتبة غير متعاقبة وذلك مثل الصور تنطبع في المرآة، مترتبة غير متعاقبة، وقالوا: إنها حكمية، لأنها ليست ألفاظا حقيقية مصورة بصورة الحروف والأصوات.
وقالوا: إنها أزلية، ليثبتوا لها معنى القدم، وقالوا: إنها مجردة عن المواد مطلقا- أي الحروف اللفظية أو الذهنية أو الروحية- لينفوا عنها أنها مخلوقة، وقالوا: إنها


الصفحة التالية
Icon