٤ - ذكر قصص الأنبياء مع أقوامهم؛ ليكون في قصصهم عبرة وموعظة لأولي الألباب، لبيان أن دعوة الرسل جميعا واحدة وأنهم جاءوا بالتوحيد الخالص والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن الأنبياء وأتباعهم لاقوا كل أنواع الإيذاء في سبيل عقيدتهم ومع ذلك صبروا وثبتوا على عقائدهم وكان النصر والعاقبة لهم، والهزيمة والخذلان لأعدائهم إلى غير ذلك ولقد كان ذكر القصص في القسم المكي من أعظم الأدلة على أن القرآن من عند الله؛ إذ لو تأخر نزوله إلى المدينة لقالوا: تعلمه من أهل الكتاب قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) [هود: ٤٩]، وقال تعالى:
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١) [يوسف: ١١١].
٥ - قصر أكثر آياته وسوره؛ وذلك لنزوله بمكة، وأكثر أهلها يومئذ يمتازون بعلو كعبهم في الفصاحة والبلاغة، وتملكهم لناصية القول، والخطابة، والشعر وبلوغهم الغاية في لطف الحس، وذكاء العقل، والألمعية وسرعة الخاطر فكان المناسب لهم النذر القارعة، والعبارات الموجزة، والفقر القصيرة ذات اللفظ الجزل، والجرس القوي، والمعنى الفحل فتصخّ الآذان وتستولي على المشاعر وتعقل ألسنتهم عن المعارضة وتدعهم في حيرة ودهشة مما يسمعون فلا يلبث البليغ منهم بعد سماعها أن يلقي عصا العجز ويرسلها قولة صريحة تشهد بالإعجاز كما قال الوليد بن المغيرة القرشي لما سمع القرآن: والله لقد سمعت كلاما ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول بشر، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته (١).
ولما أحزنت المشركين مقالته وأكرهوه على أن يقول في القرآن قولا

(١) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة ج ١ ص ٣١٩.


الصفحة التالية
Icon