٥ - طول أكثر آياته وسوره لاشتمالها على الأشياء السابقة، وهي تقتضي البسط والإطناب وإطالة النفس كما أن أهل المدينة لم يكونوا في درجة أهل مكة في البلاغة والفصاحة ولا سيما اليهود الذين كانوا يساكنوهم في المدينة، فكان الحال باعثا على الإطالة، والإطناب في مقام الإطناب لازم، والإيجاز في مقام الإيجاز واجب، ووضع أحدهما مكان الآخر ليس من البلاغة في شيء، وقد سلك القرآن كلتا الطريقتين مع كونه في أعلى درجات البلاغة والفصاحة.
الشبه التي أثيرت حول المكي والمدني
اعتاد الملاحدة والمنصرون وأعداء الإسلام أن يتلمسوا المطاعن في القرآن، وغرضهم بذلك التشكيك في القرآن وقداسته كي يتوصلوا إلى هدم الإسلام وإضعاف المسلمين بصرف أنظارهم وقلوبهم عن القرآن الذي هو أصل الدين ومنبع الصراط المستقيم، ولما كانوا يصدرون في هذه الطعون عن هوى متبع وعصبية دينية ممقوتة فقد جافاهم الحق والصواب.
ومما يؤسف له أن بعض الذين تسموا بأسماء المسلمين، وصنعتهم أوربا بيديها وربتهم على عينيها ومن على شاكلتهم ممن لم يتعمقوا في الدراسات الإسلامية قد استهوتهم هذه الأباطيل فصاروا ينشرونها ويذيعونها في دروسهم، وقد حمل كبر هذا الإفك أديب معروف (١) كان يدرس الأدب بالجامعة المصرية حقبة من الزمان، وقد تلقف هذا الأديب هذه الأباطيل مما كتبه المستشرقون والقسس وإن كانوا- والحق يقال- كانوا أعف منه في بعض الأحيان!! ومن عجب أن يسوق هذه الطعون على أنها من بنات أفكاره ومبتكراته فكان كلابس ثوبي زور، ومن عجب أيضا أن يعتبر هذا التجني على القرآن العظيم حرية في البحث، وجراءة في التفكير فيقول: لا شك أن الباحث الناقد، والمفكر الجريء الذي لا يفرق في نقده بين القرآن وبين أي كتاب آخر (٢).... إلخ ما قال. ولمن يلقي هذا الكلام لطلاب
(٢) انظر نقض مطاعن القرآن من ص ٤ - ٨.