الحافظات من النساء: ولم يكن حفظ القرآن خاصا بالرجال، بل قد شارك فيه النساء؛ منهن من كانت تحفظ بعضه، ومنهن من كانت تحفظه كله وذلك مثل عائشة وحفصة، وأم سلمة وأم ورقة، قال الإمام السيوطي: ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك، فأخرج ابن سعد في «الطبقات» قال: أنبأنا الفضل بن دكين، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله ابن الحارث- وكان رسول الله ﷺ يزورها، ويسميها الشهيدة،
وكانت قد جمعت القرآن-: أن رسول الله ﷺ حين غزا بدرا قالت له: «أتأذن لي، فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم، لعل الله يهدي لي شهادة، قال: «إن الله مهد لك شهادة» وكان رسول الله أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن فغمها غلام لها وجارية كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر رضي الله عنه، فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: «انطلقوا بنا نزور الشهيدة» (١) فأكرم بها من مسلمة حافظة.
جمع القرآن بمعنى كتابته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
لم يكتف النبي ﷺ بحفظ القرآن وإقرائه لأصحابه وحفظهم له، بل جمع إلى ذلك كتابته وتقييده في السطور، وكان للنبي كتّاب يكتبون الوحي؛ منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبان وخالد ابنا سعيد وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب وغيرهم، فكان إذا نزل على النبي من الوحي شيء دعا بعض من يكتب فيأمره بكتابة ما نزل، وإرشاده إلى موضعه، وكيفية كتابته على حسب ما كان يرشده إليه أمين الوحي جبريل، روي عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله ﷺ إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال: «ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا» وروى أحمد وأصحاب السنن

(١) المرجع السابق ص ٧٢.


الصفحة التالية
Icon