وهكذا نرى أن كتابته مفرقا في العهد النبوي ضرورة لا محيص عنها.
جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه
لما تولى أبو بكر الصديق الخلافة بعد وفاة الرسول ﷺ كان أول عمل قام به محاربة أهل الردة والقضاء على هذه الفتنة، وبذلك أقام عمود الإسلام، وثبّت دعائمه بعد أن كادت تتقوض، ولما وقعت موقعة اليمامة سنة اثنتي عشرة للهجرة استحر (١) القتل في الصحابة، ومات من حفاظ القرآن خلق كثير قيل خمسمائة (٢)، وقيل سبعمائة، فخشي الفاروق عمر رضي الله عنه الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه أن يكثر القتل في القراء في بقية المواطن، وربما كان عندهم شيء من القرآن، فيضيع بموتهم، فأشار على أبي بكر أن يجمع القرآن في مكان واحد، وصحف مجموعة بدل وجوده مفرقا في العسب، واللخاف، والرقاع، وغيرها، فتردد أبو بكر أول الأمر، ولكن لم يزل به الفاروق حتى وافق، وثبت عنده أن جمع القرآن ليس من المحدثات، وأن قواعد الدين والشريعة تدعو إليه، فأرسل الصديق إلى زيد بن ثابت، وندبه للقيام بهذا العمل الجليل، فراجعهما، ولم يزالا به حتى ظهر له الحق واستبان له الرشد، وعلم أن الحق فيما أشارا به فجمعه بعد جهد جهيد.
وإليك ما رواه البخاري في صحيحه (٣) بسنده عن زيد بن ثابت (٤) قال:

(١) أي كثر.
(٢) فضائل القرآن لابن كثير ص ١٢.
(٣) صحيح البخاري- كتاب فضائل القرآن- باب جمع القرآن.
(٤) هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك ينتهي نسبه إلى مالك بن النجار الأنصاري، الخزرجي، استصغر يوم بدر هو وبعض شباب الصحابة، ثم شهد أحدا وما بعدها، وكان من كتاب الوحي المعدودين لرسول الله ﷺ والظاهر أنه كان أكثر الكتاب تفرغا للكتابة، وقد أمره النبي ﷺ أن يتعلم كتابة اليهود، فتعلمها في خمسة عشرة يوما كما في صحيح البخاري، وكان من علماء الصحابة، وأئمة الفتوى منهم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «أفرضكم زيد» رواه أحمد يعني أكثركم علما بعلم المواريث، قال فيه ابن سعد: كان زيد رأسا بالمدينة في القضاء، والفتوى، والقراءة، والفرائض.


الصفحة التالية
Icon