ما روي من جمع علي رضي الله عنه للقرآن:
ولا يعارض هذا ما أخرجه ابن أبي داود من طريق ابن سيرين قال: قال عليّ: لما مات رسول الله ﷺ آليت أن لا آخذ عليّ ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعته، فقد قال الحافظ ابن حجر، هذا الأثر ضعيف لانقطاعه وبتقدير صحته فمراده بجمعه حفظه في صدره وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصحّ، فهو المعتمد، ومراد الحافظ برواية عبد خير ما أخرجه ابن أبي داود بسند حسن عن عبد خير قال: سمع عليّا يقول: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله.
أقول: وعلى فرض صحة ما روي عن سيدنا علي، وأن المراد بالجمع الكتابة لا يعارض الثابت المشهور من أن أبا بكر هو أول من جمع القرآن، إذ ليس في رواية ابن سيرين التصريح بالأولية بل الذي صحّ عن علي خلافها، وغاية ما تدل عليه أنه سارع إلى كتابة القرآن، فهو كغيره من الصحابة الذي عنوا بكتابة مصاحف لأنفسهم خاصة، ولم تكن لهذه المصاحف من الثقة بها والإجماع عليها، والقبول لها مثلما لمصحف أبي بكر، فجمع الصديق أبي بكر بهذه الاعتبارات يعتبر بحق أول جمع.
وقد امتاز الجمع في عهد أبي بكر بما يأتي:
١ - أنه اقتصر فيه على ما لم تنسخ تلاوته وجرده من كل ما ليس بقرآن.
٢ - أنه لم يقبل فيه إلا ما أجمع الجميع على أنه قرآن وتواترت روايته، وأما ما روي عن زيد في آخر سورة براءة فقد علمت المراد منه.
٣ - أنه كان مكتوبا بجميع الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
٤ - أنه كان مرتب الآيات على الوضع الذي نقرؤه اليوم، ولم يكن مرتب السور، فكانت كل سورة مستقلة في الكتابة بنفسها في صحف، ثم جمعت هذه الصحف وشدت بعضها إلى بعض.
ومما ينبغي أن يعلم أن الجمع بهذه الدقة الفائقة والتثبت البالغ


الصفحة التالية
Icon