عن أبي بن كعب وقد قدمنا أن قوله: «لو كان لابن آدم واد من مال...
إلخ»
ليس بقرآن، وإنما هو حديث نبوي أو قدسي، وكذلك ما زيد في هذه السورة من ألفاظ هو بالبيان والتفسير أشبه منه بالقرآن، إذ ليس عليه شيء من نور القرآن، ولا له إعجازه، ولا ينبغي أن يعزب عن بالنا أن بعض الصحابة كان يقرأ بعض آيات القرآن على سبيل التفسير والبيان كما كان بعضهم- كأبي وابن مسعود- يكتب في مصحفه بعض تفسيرات، وتأويلات، وأدعية، ومأثورات فيظن من يسمعها أو يقف عليها أنها من القرآن، والحق خلاف ذلك؛ قال أبو بكر الأنباري بعد أن ذكر ما روي أن عكرمة قرأ على عاصم «لم يكن» ثلاثين آية هذا فيها قال: «هذا باطل عند أهل العلم؛ لأن قراءة ابن كثير وأبي عمرو متصلتان بأبي ابن كعب، لا يقرأ فيها هذا المذكور في «لم يكن» مما هو معروف في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنه من كلام الرسول عليه السلام لا يحكيه عن رب العالمين في القرآن، وما رواه اثنان معهما الإجماع أثبت مما يحكيه واحد مخالف مذهب الجماعة (١).
وقال بعض العلماء: والذي يؤكد ما قلناه اتصال قراءة أبي جعفر بابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وغيرهم، وهم قرءوا على أبي بن كعب؛ واتصال قراءة ابن كثير بمجاهد وقراءة مجاهد على ابن عباس، وقراءة ابن عباس على أبيّ، واتصال قراءة أبي عمرو بمجاهد وسعيد بن جبير وهما قرءا على ابن عباس وقرأ ابن عباس على أبي، فهؤلاء الأئمة وأعلام الدين الذين رووا عنهم وحفظوا عليهم نبره ومده وتشديده، فلو كان من قراءة أبي ذلك لقرأه عليهم، ولرووا عنه، وحفظوا عليه، لطول تلك الألفاظ (٢).
وأيضا فقد اضطرب النقل في هذا الأثر، فمن قائل: إنه آية من سورة لم يكن، ومن قائل: آية من سورة تشبه سورة براءة، والباطل دائما

(١) تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١٣٩.
(٢) مقدمتان في علوم القرآن ص ٩٢.


الصفحة التالية
Icon