ما فاطر السموات (١) حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها».
وروي عنه أيضا أنه قال: «ما كنت أدري ما قوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ [الأعراف: ٨٩] حتى سمعت بنت «ذي يزن» - وقد جرى بيني وبينها كلام- تقول: «تعال أفاتحك» تريد، أقاضيك وأخاصمك (٢).
وبلّغ الصحابة ما حملوه عن النبي ﷺ من تفسير القرآن وعلومه، وما فهموه منه باجتهادهم إلى من جاء بعدهم من التابعين، وبلّغه التابعون إلى من جاء بعدهم، فقد كان المعول عليه في القرون الأولى، في «علوم القرآن» وكذلك الحديث وعلومه- هو الرواية والتلقي عن الغير والمشافهة لا على الخط والكتابة في الصحف وقد استمر الأمر على هذا، إلى أن جاء عصر التدوين، فدونت المعارف والعلوم في الصحف، والسطور، بعد أن كانت مقيدة محفوظة في الصدور.
عصر التدوين:
لم تكن «علوم القرآن» وغيرها من العلوم مدونة في «العصر الأول» في الكتب والصحف، بل كانت مدونة على صفحات القلوب، وإنما كان المدوّن والمكتوب هو «القرآن الكريم» فحسب (٣)، وذلك لما ورد في الصحيح: «من النهي عن كتابة غير القرآن»: روى مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا

(١) سورة فاطر (١).
(٢) الإتقان (ج ١ ص ١١١)، ومقدمة تفسير القرطبي (ج ١ ص ١٤، ١٨).
(٣) والقرآن الكريم، مع كونه كان مكتوبا في عهد النبي، ثم جمع في عهد «أبي بكر»
في الصحف، وفي عهد عثمان في المصاحف، فقد كان يعتمد الحفاظ والقراء على الرواية، وهي التلقي من الشيوخ، وأداء ما تلقوه إلى من جاء بعدهم، ولم يعرف عنهم أنهم كانوا يعتمدون في الحفظ والإقراء على المكتوب فحسب، ولم توجد هذه البدعة إلا في العصر الأخير وإن كان القراء المجيدون لا يزالون إلى عصرنا هذا يعتمدون على التلقي الشفاهي، والأخذ عن الشيوخ.


الصفحة التالية
Icon