معارضة جبريل النبي بالقرآن:
وكان من الدواعي القوية لحفظ النبي ﷺ القرآن وتثبيته في قلبه الشريف معارضة جبريل عليه السلام النبي ﷺ بالقرآن في رمضان من كل عام؛ روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة (١) فكان جبريل عليه السلام يقرأ والنبي يسمع حينا، والنبي ﷺ يقرأ وجبريل يسمع، حتى كان العام الذي توفي فيه الرسول ﷺ فعارضه جبريل بالقرآن مرتين، وقد شهد العرضة الأخيرة أحد مشاهير كتاب الوحي لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وهو زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت:
أقبلت فاطمة تمشي، وكانت مشيتها (٢) مشى النبي ﷺ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«مرحبا بابنتي» ثم أجلسها عن يمنيه، أو (٣) عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين! ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها، فقالت: أسر إليّ: أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه (٤) إلا حضور أجلي، وإنك أول أهل بيت لحاقا بي فبكيت، فقال: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين»، فضحكت (٥).

(١) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(٢) مشيتها- بكسر الميم- أي: هيئة مشيتها.
(٣) أو للشك من الراوي.
(٤) بضم الهمزة بمعنى أظنه.
(٥) صحيح البخاري- باب علامات النبوة.


الصفحة التالية
Icon