تقرؤه نائما (١)، ويقظان، فابعث جندا أبعث مثلهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق ينفق عليك» فقد أخبر سبحانه وتعالى أن القرآن لا يكتفى في ثبوته وحفظه بصحيفة أو لوح يغسل بالماء، وإنما محله القلوب، والصدور، وذلك بالحفظ عن ظهر قلب، فإذا انضم إلى الحفظ في الصدور، الكتابة في الصحف فقد ازداد التوثق، والاطمئنان، وقوله: «لا يغسله الماء» صيغة نفي ولكن النفي قد يأتي للنهي والنهي عن غسله بالماء يستلزم عادة الأمر بحفظه فهو مثل قوله لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) وقوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ.
٢ - ما ورد في وصف الأمة الإسلامية أناجيلهم في صدورهم، أي:
كتابهم المقدس المعول عليه في بقائه وسلامته من التحريف والتبديل، الحفظ في الصدور بخلاف أهل الكتاب، فإنهم لا يحفظون كتابهم إلا من الصحف، ولا يقرءونه كله إلا نظرا، لا عن ظهر قلب، كما هو الشأن في جمهرة المسلمين، وذكر هذا الوصف في معرض المفاضلة بينهم وبين غيرهم يدل على أن هذا أمر مختص بهم.
٣ - ما رواه البخاري في صحيحه في قصة الرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له بها حاجة، ولم يكن يملك شيئا ليكون مهرا لها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم،: «فما معك من القرآن»، قال: سورة كذا وكذا، قال: «أتقرؤهن عن ظهر قلب»، قال:
نعم، قال: «فاذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن» (٢) وهذا الحديث وإن لم يدل على الوجوب ولكنه يدل على أن الحفظ عن ظهر قلب أمر مرغوب فيه، ومستحب، وفضيلة من الفضائل التي يختص بها المسلمون.
حفظ الصحابة للقرآن الكريم:
وكان النبي ﷺ إذا نزلت عليه الآية، أو الآيتان، أو الخمس أو
(٢) صحيح البخاري- كتاب فضائل القرآن- باب القراءة عن ظهر قلب.