في بيته على تكرمته (١) إلا بإذنه» قال الأشج في روايته مكان سلما: «سنا» أي: أكبرهم سنا.
وكذلك كان حفظ القرآن وفقهه من الأسباب المرشحة لتولي الإمامة العظمى كالصديق أبي بكر، والولاية والقضاء، وقيادة السرايا، والجيوش كأبي موسى الأشعري، وسالم مولى أبي حذيفة، وقد كان يحمل اللواء يوم اليمامة، فقيل له: إنا نخاف أن نؤتى من قبلك!! فقال هذه الكلمة التي تنم عن إيمان عميق، وقوة حفظ وفقه للقرآن الكريم: «بئس أنا حامل القرآن إذا».
نعم- والله- فما كان لحامل القرآن من أمثال سالم- رضي الله تعالى عنه- أن يفر، أو ينكص على عقبيه، أو لا يرغب عن الشهادة، وقد صدق فيما عاهد الله عليه فصار يتقدم باللواء، ويقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاحتضنه بعضديه وهو يتلو قول الله تبارك وتعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ... وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) [آل عمران: ١٤٤ - ١٤٦].
وهكذا كان حفاظ القرآن وقراؤه، لقد كانوا أسبق الناس إلى نشر دعوة الإسلام، وأرغب الناس في الجهاد، والاستشهاد، وأهل البطولات والتضحيات والفداء، وما كان حفظ القرآن ليمنعهم من الخروج في السرايا والغزوات.
فأصحاب بئر معونة (٢) كانوا من القراء، وقد استشهدوا جميعا في سبيل الله بنفس راضية، فلا تعجب إذا كان النبي ﷺ حزن عليهم حزنا شديدا،
(٢) اسم موضع من بلاد هذيل بين مكة، وعسفان وفي هذا المكان كان الغدر والخيانة بأصحاب السرية.