أقول: والذي يظهر أنهم كانوا كثيرين، وأنهم كانوا يقلون ويكثرون بحسب اختلاف الأحوال كما قال أبو نعيم.
ومهما يكن من شيء فقد كان أهل الصفة ثروة عظيمة للقرآن الكريم وكانوا ركائز ودعائم لحفظ القرآن، وإشاعته، ونشره بين المسلمين، كما كانوا جند الله، وجند الإسلام، كلما سمعوا هيعة (١) طاروا إليها، وهكذا تبين أنهم برءاء مما رموا به وكذلك كان المشتغلون من الصحابة بزراعاتهم، وتجاراتهم شديدي الحرص على الوحي، ولا سيما القرآن، وحفظ ما نزل منه؛ روى البخاري في صحيحه عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد- أي: ناحية- وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يوما، وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي، وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك... الحديث (٢).
وهكذا نجد أنهم ما كان يشغلهم دينهم عن دنياهم، ولا تشغلهم دنياهم عن أمور دينهم، وحفظ كتاب ربهم، وسنة نبيهم، ولا عجب فهم رأس الأمة الخيرة، الوسط.
وقد اشتهر بإقراء القرآن من الصحابة سبعة: عثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، كما ذكر الذهبي في طبقات القراء.
التفرغ للقرآن بعد عصر الصحابة:
ثم تفرغ لحفظ القرآن، وإقرائه كثير من التابعين بالأمصار الإسلامية فمنهم من كان بالمدينة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعمر
بن عبد العزيز، وسليمان، وعطاء بن يسار، ومعاذ بن الحارث المعروف بمعاذ القارئ، وعبد الرحمن بن هرمز

(١) الصيحة إلى الجهاد.
(٢) صحيح البخاري- كتاب العلم- باب التناوب في العلم.


الصفحة التالية
Icon