فوقها منزلة.
وقد ثبت في الصحيح أن الصديق بنى له مسجدا في بيته، فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن حتى كاد يفتتن بقراءته نساء المشركين وأولادهم، وكان قد أجاره ابن الدغنة فذهبوا إليه واشتكوا من فعل الصديق، فنقض ما بينه وبين ابن الدغنة، ورضي بجوار الله عز وجل.
وهؤلاء هم أهل الصفة بالمسجد النبوي، كان من مهماتهم قراءة القرآن وحفظه، وإقرائه لغيرهم، وقد قدمت طرفا من ذلك.
وكان الصحابة قليلا من الليل ما ينامون، ولا سيما في رمضان، فلا عجب أن كان يسمع لهم دوي بالقرآن بالليل كدوي النحل في المساجد والبيوت وكان النبي صلوات الله عليه وسلامه يشجعهم ويرغبهم في التلاوة.
روى أبو عبيد بسنده عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله ﷺ يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، قال: «تعلموا كتاب الله واقتنوه» (١) قال: وحسبت أنه قال: «وتغنوا به (٢) فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من المخاض» (٣) من العقل.
وكذلك كانت بيوت الصحابة ومن جاء بعدهم معاهد علم؛ ومدارس قرآن فما من بيت إلا ويقرأ فيه القرآن؛ ويتدارس؛ وسواء في ذلك الكبار؛ والصغار؛ والرجال والنساء.
وكذلك كانت توجد الكتاتيب (٤) لتحفيظ القرآن، وتعليم القراءة

(١) اقتنوه كما تقتنوا الأموال، واجعلوه رأس مالكم.
(٢) أي: استغنوا به عن الناس.
(٣) الإبل.
(٤) الكتاتيب: جمع كتاب، والمراد به هنا المكتب الذي يحفظ فيه القرآن، والأصل فيه جمع كاتب ثم أطلق على المكان مجازا وقد غلط صاحب القاموس الجوهري في صحاحه في جعله الكتاب بمعنى المكتب؛ ولا أرى داعيا لتغليطه فهو إطلاق مجازي من إطلاق الحال وإرادة المحل.


الصفحة التالية
Icon