وجوب إحياء الكتاتيب
مما ذكرت يتبين أن الكتاتيب كانت تؤدي خدمة عظمى في سبيل تحفيظ القرآن الكريم، ولم تكن فائدتها تقف عند حد تحفيظ القرآن فحسب، بل كانت من أعظم الوسائل في تعليم القراءة والكتابة؛ لأن التحفيظ فيها لم يكن عن طريق التشافه والحفظ في الصدور فحسب، وإنما كان عن طريق كتابة جزء من القرآن خمس آيات أو عشر آيات، أو عشرين آية في اللوح (١) كل على حسب استعداده، وعلى قدر طاقته، وطريقة الحفظ عن طريق الكتابة أولا ثم الحفظ لا تجعل الصبي ينسى شيئا من القرآن فيما بعد، ومن ثم نرى أن الكتاتيب كانت أيضا من أعظم وسائل إزالة الأمية، لأن الصبي لكي يكتب لوحه لا بد من تعلمه القراءة والكتابة أولا، وقد كانت الكتابة في اللوح تمرينا عمليا على إجادة القراءة والكتابة، وقد أجدت الكتابة في الكتاب من هذا الطريق ولله الحمد والمنة.
وكذلك كانت تعلم فيها مبادئ الدين الإسلامي، ولا أنسى قط درس الدين من يوم الخميس كل أسبوع يلقننا فيه الفقيه أو العريف (٢) أركان الإسلام المذكورة في الحديث المشهور الصحيح «بني الإسلام على خمس».
ونسب النبي ﷺ وأزواجه، وأبنائه وبناته، وفرائض الوضوء، وأركان الصلاة، والتشهد، ونحو ذلك، وكذلك كنا نتعلم فيها مبادئ الحساب، ولكن كان ذلك بقدر.
فلما أنشئت المدارس الأولية، ثم الإلزامية... بدأت الكتاتيب تضمحل شيئا فشيئا حتى أوشكت على الزوال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأحب أن أقول إن جمعيات المحافظة على القرآن الكريم، وإن كانت منتشرة في طول البلاد وعرضها. إلا أنها- والحق يقال- لم تغن

(١) عبارة عن قطعة مستطيلة من الخشب أو نحوه مطلية بطلاء أبيض- يكتب فيها كل صبي ما يريد حفظه، فإذا حفظه- أزاله وكتب غيره وهكذا.
(٢) الفقيه: وينطقها العامة الفقي هو رئيس الكتاب والعماد في تحفيظ القرآن.
والعريف- ومن معانيه في اللغة العربية رئيس الجماعة- هو مساعد الفقيه.


الصفحة التالية
Icon