تقتضي الإسرار وخفض الصوت؛ فمن الأول: حديث الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله (١) لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» وقوله يجهر به: تفسير من أبي سلمة بن عبد الرحمن ليتغنى، أدرج في الحديث، وفي رواية ابن عيينة تفسيره: ب «يستغني به» (٢) وقد اختلف العلماء في معنى يتغنى على أقوال: أحدها تحسين الصوت بقراءته والجهر به، ثانيها الاستغناء، ثالثها التحزن، رابعها التشاغل، وإنما يتم الاستدلال به على المعنى الأول (٣) وهو يشهد أيضا لتحسين الصوت بالقرآن.
ومن الثاني: حديث أبي داود والترمذي والنسائي «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة»، قال النووي: والجمع بينهما أن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء، أو تأذى مصلون، أو نيام بجهره، والجهر أفضل في غير ذلك؛ لأن العمل فيه أكثر؛ ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط ويدل لهذا الجمع حديث أبي داود بسند صحيح عن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله ﷺ في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: «ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة». وقال بعضهم: يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها؛ لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار.
١٣ - أيهما أفضل القراءة من المصحف أم من الحفظ
قال السيوطي: القراءة في المصحف أفضل من القراءة من حفظه؛ لأن

(١) أذن بفتح الهمزة وكسر الذال في الماضي وكذا في المضارع مشترك بين الإباحة والاستماع إلا أن مصدر الأول الإذن بكسرة الهمزة، وسكون الذال ومصدر الثاني الأذن بفتح الهمزة والذال والمراد بالأذن على الثاني في حق الله تعالى إكرام القارئ وإجزال ثوابه والرضا عن فعله؛ لأن ذلك ثمرة الإصغاء والاستماع.
(٢) صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب من لم يتغن بالقرآن.
(٣) فتح الباري ج ١٠ ص ٤٤٤، ٤٤٦.


الصفحة التالية
Icon