بخلاف «التنزيل» فإنه يعبر به في جانب ما نزل مفرقا؛ فدلّت الآيات على أن القرآن «نزل جملة واحدة في ليلة القدر! أخذا من سورة «القدر» وهي الليلة المباركة، أخذا من آية «الدخان»، وهي ليلة من شهر رمضان أخذا من آية «البقرة».
وأيضا فمن البدهيّ: أن القرآن نزل على النبي ﷺ في سنين لا في ليلة واحدة، وأنه نزل في غير رمضان؛ كما نزل في رمضان: فدل هذا على أن النزول الذي نوّهت بشأنه الآيات غير النزول على النبي مفرقا في بضع وعشرين سنة، وأن المراد به: هو النزول جملة واحدة.
٢ - قد جاءت الآثار الصحيحة مبيّنة لهذا النزول وشاهدة عليه:
(أ) فمنها ما أخرجه النّسائي والحاكم والبيهقي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس، أنه قال: «أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة» ثم قرأ: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) [الفرقان: ٣٣]، وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) [الإسراء: ١٠٦].
(ب) ومنها ما أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: «أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض».
(ج) وأخرج الحاكم وغيره، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
«فصل القرآن من الذّكر، فوضع في بيت العزّة من سماء الدّنيا فجعل جبريل
والتفريق بين الإنزال والتنزيل أمر غالب؛ وليس قاعدة مطردة؛ ولذا عبرت بلفظ «أكثر» بدليل قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الفرقان:
٣٢]، فقد استعملوا التنزيل وأرادوا الإنزال، وبدليل قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) [الكهف: ١] فقد عبّر بالإنزال وأراد التنزيل.