يقدر إنزاله في كل السنة، ثم ينزل به جبريل بعد ذلك على النبي ﷺ في جميع السنة، وبه قال «مقاتل بن حيّان» (١)، نقله القرطبي في تفسيره عنه، وبقوله قال الحليمي والماوردي، قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر قول الحليمي: «وهذا أورده ابن الأنباري من طرق ضعيفة ومنقطعة».
أقول: فلا يعوّل عليه، قال: «وما تقدم من أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك مفرقا هو الصحيح المعتمد».
وهناك قول ثالث: هو أن المراد بالآيات السابقة ابتداء إنزاله في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجّما في أوقات مختلفة على النبي ﷺ وبه قال «الشعبي» (٢)
وكأنّ صاحب هذا القول ينفي النزول جملة واحدة إلى السماء الدنيا.
وقد ذهب إلى هذا الرأي من المتأخرين الأستاذ الإمام الشيخ «محمد عبده» في تفسير جزء «عمّ»، فقد نقل كلام «الشعبيّ» وقوّاه، وقال: إن ما جاء من الآثار الدّالة على نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، مما لا يصح الاعتماد عليه؛ لعدم تواتر خبره عن النبي ﷺ وأنه لا يجوز الأخذ بالظن في عقيدة مثل هذه، وإلا كان اتباعا للظن (٣).

(١) هو تابع التابعي مقاتل بن حيان- بحاء مهملة ثم ياء مثناة- النبطي أبو بسطام البلخي، روى عن كثير من التابعين منهم سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وأبي بردة ابن أبي موسى الأشعري وغيرهم، وروى عنه أخوه مصعب بن حيان وعبد الله بن المبارك وأبو عصمة نوح بن أبي مريم وغيرهم، وقد اختلف فيه العلماء فمنهم من وثّقه، ومنهم من ضعّفه، ومنهم من قال لا بأس به، مات قبل الخمسين ومائة (تهذيب التهذيب ١٠/ ٢٧٧ - ٢٧٨).
(٢) هو الإمام التابعي الثقة الفقيه الحافظ عامر بن شراحيل الهمداني الحميري، روى عنه أنه قال: «أدركت خمسمائة من الصحابة»، وكان يفتي والصحابة متوافرون، ولد في خلافة سيدنا عمر عام جلولاء، وقد اختلف في وفاته اختلافا كثيرا، والأكثرون على أنه عام ١٠٩ أو مائة وعشرة.
(٣) تفسير جزء «عمّ» ص ١٣٢ ط بولاق.


الصفحة التالية
Icon