السلام- على حالتين:
١ - أن ينسلخ النبي ﷺ من حالته الشريفة العادية، إلى حالة أخرى، بها يحصل له استعداد، لتلقي الوحي من «جبريل» عليه السلام، وهو على حالته الملكية وفي هذه الحالة قد يسمع عند مجيء الوحي صوت شديد كصلصلة الجرس (١).. وأحيانا يسمع الحاضرون صوتا عند مجيء الوحي كدويّ النحل.. وتأخذ النبي ﷺ حالة شديدة روحانية، يغيب فيها عما حوله، ويثقل جسمه، حتى لتكاد الناقة التي يركبها تبرك، وإذا جاءت فخذه على فخذ إنسان تكاد ترضّها ويتصبب عرقه، وربما يسمع له غطيط كغطيط النائم، فإذا ما سرّي عنه وجد نفسه واعيا لكل ما سمع من الوحي فيبلغه كما سمعه، وهذه الحالة أشد حالات الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشير إلى هذا قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥) [المزمل: ٥]؛ وعلى هذه الحالة تلقى القرآن.
٢ - أن يتحول «جبريل» - عليه السلام- من الملكية إلى الصورة البشرية، فيأتي في صورة رجل، فيأخذ عنه الرسول ويسمع منه.. وكثيرا ما كان جبريل- عليه السلام- يأتي في هذه الحالة في صورة «دحية الكلبي» (٢)، أو صورة أعرابي لا يعرف (٣)، وهذه الحالة أهون الحالين على
(٢) دحية: بكسر الدال، وكان من أجمل العرب وأنظفهم، ففي صحيح البخاري عن أبي عثمان النهدي أنه قال: «أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي ﷺ وعنده أم سلمة فجعل يتحدث معه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من هذا» أو كما قال، قالت: هذا دحية فلما قام- يعني النبي- قالت:- يعني أم سلمة- والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي ﷺ يخبر خبر جبريل أو كما قال. (كتاب فضائل القرآن- باب كيف نزل الوحي).
(٣) وذلك كما في حديث جبريل المشهور الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما ففي رواية لمسلم: «بينما نحن عند رسول الله إذ طلع علينا رجل.. ولا يعرفه منا أحد» وفي الصحيحين أن النبي قال لأصحابه: «ردوا عليّ الرجل» فذهبوا فلم يجدوه فقال: