تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) [القيامة: ١٦] قال:

«كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه » (١) وهذه الشدّة لن تكون إلا في الحالة الأولى.
وروى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي ﷺ فقلت: هل تحسّ بالوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسمع صلاصل، ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إليّ إلّا ظننت أن نفسي تقبض» رواه أحمد، وروى ابن جرير أن النبي ﷺ كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها (٢) فما تستطيع أن تحرك حتى يسرّى عنه، وعن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- أنزل على رسول الله ﷺ وفخذه على فخذي، فكادت ترضّ (٣) فخذي (٤)، رواه البخاري في الصحيح.
وأيضا فلو أنزل شيء من القرآن في الحالة الثانية وهي مجيء جبريل- عليه السلام- في صورة رجل لكان هذا مثارا للشك، والتلبيس على ضعفاء الإيمان، ولكان فيه مستند للمشركين في قولهم: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ....
وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى هذا في قوله حكاية لمقالة المشركين وردّا عليهم: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) (٥) [الأنعام: ٨ - ٩]، فكان من الرحمة بالعباد، وعدم التلبيس عليهم أن لا ينزل القرآن إلا في هذا الجو الملائكيّ، الروحانيّ.
(١) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي.
(٢) الجران: باطن العنق.
(٣) تكسر عظامها.
(٤) تفسير ابن كثير ج ٩ ص ٢٧ - ٢٨.
(٥) لقضي الأمر بإهلاكهم، فقد جرت سنة الله مع الكافرين أنهم إذا سألوا أسئلة تعنتية، ثم أجيبوا أن يهلكهم.


الصفحة التالية
Icon