قيل: أمر وحى، يعني: سريع، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا- عليه السلام-: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) [سورة مريم: ١١]، أي: أشار إليهم ولم يتكلم.
ومنه: الإلهام الغريزي، كالوحي إلى النحل، قال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [سورة النحل: ٦٨]، وإلهام الخواطر بما يلقيه الله في روع الإنسان السليم الفطرة، الطاهر الروح، كالوحي إلى «أم موسى»، ومنه ضده (١)، وهو وسوسة الشيطان، قال تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ (١٢١) [سورة الأنعام: ١٢١]، وقال: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: ١١٢].
فالخلاصة في معنى الوحي اللغوي: أنه الإعلام الخفي السريع، وهو أعم من أن يكون بإشارة أو كتابة أو رسالة، أو إلهام غريزي، أو غير غريزي، وهو بهذا المعنى لا يختص بالأنبياء، ولا بكونه من عند الله سبحانه.
وأما في الشرع: فيطلق ويراد به المعنى المصدري، ويطلق ويراد به المعنى الحاصل بالمصدر، ويطلق ويراد به: الموحى به.
ويعرف من الجهة الأولى: بأنه: «إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة» فهو أخص من المعنى اللغوي لخصوص مصدره ومورده؛ فقد خص المصدر بالله سبحانه، وخصّ المورد بالأنبياء.
ويعرف من الجهة الثانية: بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من عند الله، سواء أكان الوحي بواسطة أم بغير واسطة.
ويعرف من الجهة الثالثة: بأنه ما أنزله الله على أنبيائه، وعرّفهم به من أنباء