ويراه الحاضرون ويسمعون قوله، ولا يعرفون هويته، ولكن النبي يعلم علم اليقين: أنه جبريل، وذلك كما في حديث جبريل الطويل في الصحيحين (١) وحديث أم سلمة، ورؤيتها رجلا على صورة دحية الكلبيّ، فظنته هو، حتى بيّن النبي لها أنه جبريل.
ج- أن يأتي على صورته الملكية، وفي هذه الحالة لا يرى، ولكن يصحب مجيئه صوت كصلصلة الجرس، أو دوي كدوي النحل، وقد دلّ على هاتين الحالتين حديث سؤال «الحارث بن هشام» النبي صلى الله عليه وسلم: عن كيفية مجيء الوحي إليه وهو في صحيح البخاري كما تقدم.
والوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقيني ضروري من الموحى إليه بأن ما ألقي إليه حق من عند الله ليس من خطرات النفس ولا نزعات الشيطان، وهذا العلم اليقيني لا يحتاج إلى مقدمات، وإنما هو من قبيل إدراك الأمور الوجدانية، كالجوع والعطش والحب والبغض.
إمكان الوحي ووقوعه:
مبنى الوحي ومداره على أمرين:
١ - وجود «موح» وهو «الله» سبحانه وتعالى أو الملك الذي يبلّغ الوحي وينقله من الله إلى الرسل، والملك: جسم نوراني لا يرى، ولكنه قادر على التشكل بالأشكال المختلفة.
٢ - وجود نفس بشرية صافية صالحة لتلقي الوحي من الله أو الملك.
أما الأول: فالله- سبحانه- قد قام على وجوده وكماله الدليل العقلي وتواترت عليه الأدلة الآفاقية، والأنفسية، والتنزيلية.
وأما الملائكة، فقد أخبر بهم الأنبياء وجاءت بوجودهم الشرائع والكتب السماوية، وقد استفاض القرآن والسنة بالإخبار عنهم بما لا يدع مجالا

(١) صحيح البخاري- كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل للنبي ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، وصحيح مسلم- كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان.


الصفحة التالية
Icon