لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) أي أسلموا، فهو طلب برفق ولين وهو لون من ألوان أدب الخطاب في القرآن.
ثم تحداهم مرة ثالثة: بأن يأتوا بسورة منه، أيّ سورة مهما قصرت، كسورة «الكوثر» فما رفعوا بذلك رأسا، قال تعالى في سورة «يونس» المكية الآية [٣٨ - ٣٩]: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩).
وهذا الذي ارتضاه جمهور العلماء وارتضيته في ترتيب آيات التحدي هو ما يجب أن يصار إليه، ومن العلماء من يجعل آية «يونس» متقدمة على آية «هود»؛ لتقدم نزول سورة يونس على نزول سورة هود، فيجعل التحدي بسورة قبل التحدي بعشر سور (١)، والجواب أنه على فرض تسليم ذلك فلا يمنع من تأخر نزول آية في سورة متقدمة، على نزول آية في سورة متأخرة، على أن بعض العلماء يرى تقدم سورة «هود» على سورة «يونس»؛ وحينئذ يكون ما ذهبنا إليه هو الحق والصواب، وإذا كان
مستقبحا في الكلام العادي التحدي بشيء فإذا عجز تحداه بعشرة أمثاله فما بالك بأبلغ الكلام، وأحكمه هذا ما لا يمكن أن يكون في الكتاب المعجز المبين ثم كرر التحدي بسورة ما، فقال في سورة «البقرة» المدنية [الآية ٢٣ - ٢٤] وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤).
فألقموا حجرا، ولم ينبسوا في المعارضة بكلمة... !
(١) تفسير البغوي على هامش تفسير ابن كثير (ج ٤/ ص ٣٤٩).