ورهبان النصارى، ولو أنه حدث ما زعموا لنقله إلينا الرواة المسلمون الذين لم يدعوا صغيرة ولا كبيرة مما يتعلق بالسيرة المحمدية إلا ذكروها.
وأما ما زعموه من أن محمدا مر على ديار مدين وتحدث مع أهلها فغير صحيح؛ وأين مدين من طريق تجارتهم إلى الشام وليس من المعقول من مثل النبي، وهو من هو في رجاحة العقل، وقوة الفطنة أن يعتمد في أخبارهم، وأخبار ثمود وغيرهم من الأمم السابقة، على أعراب لا علم عندهم ولا تحقيق، ولم يعرف عن القوافل التجارية أنها كانت تضيع وقتها في البحث عن الأحبار والرهبان، وما كان للنبي وقد ذهب مع قافلة أن يشتزّ عنها ثم يذهب باحثا عن علماء أهل الكتاب، ولو أنه فعل لما تمكن من تصريف تجارته، مع أنه المنقول أنه كان تاجرا أمينا ناجحا، وأنه كان يربح ربحا وافرا، وهذا لن يتأتى في العادة لمن شغل بغير تجارته، ثم لو سلمنا جدلا أنه سمع من أخبار أهل الكتاب، فهل هذه النتف المبعثرة المشوّشة تكوّن هذا القصص الوافي الدقيق على المنهج الذي جاء به القرآن!
(الرد على المقدمة الثانية)
وهي ما زعموه من أن ورقة كان من متنصّرة العرب، وأنه كان قريب خديجة، وأن النبي أخذ منه بعض معارف أهل الكتاب، فقد خلطوا فيه الحق والباطل.
والذي ثبت في الصحيحين: أن ورقة كان من العرب الذين تنصروا في الجاهلية، وكان يعرف العربية والعبرانية، وكان له علم بالكتب السابقة، وأن السيدة خديجة لما أخبرها النبي ما رأى، وما سمع بغار حراء، وجاءها فزعا خائفا أخذته إلى ابن عمها ورقة، فأخبره النبي بما رأى، فقال له ورقة: هذا هو الناموس (١) الذي كان ينزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال له النبي: «أو مخرجيّ هم» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني