بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) [النحل: ١٠٣].
لقد كان ذكر القصص بمكة من أقوى البراهين على صدق النبي، لأن البيئة المكية لم تكن بيئة علم ومعرفة، ولم يكن فيها يهود ولا نصارى بشهادة الواقع التاريخي الصادق، ولو تأخر ذكر القصص إلى ما بعد الهجرة لربما قالوا إنه تعلمه من أهل الكتاب بالمدينة، وإذا ثبت أن النبي كان أمّيّا، وانتفى أخذه عن أهل الكتاب، فقد تعين أن يكون من عند الله سبحانه وصدق الله حيث يقول: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) [العنكبوت: ٤٨].
وكثيرا ما نبّه الله عز شأنه إلى ما في القصص من دلائل على صدق النبي في دعوته بعد ذكر شيء منها؛ قال سبحانه بعد ذكر قصة موسى في مدين من سورة القصص: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) [القصص ٤٤ - ٤٥]، وقال بعد قصة نوح من سورة هود: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) [هود:
٤٩]، وقال في آخر سورة يوسف: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١) [يوسف: ١١١].
وتأمل في قوله سبحانه: وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فإنها ترد على هذا الافتراء المكشوف.
(رد المقدمة الخامسة)
وهي استفادة العرب من رحلتي الشتاء والصيف إلى اليمن والشام، بالتقائهم بأهل الكتاب والسماع منهم، وبالتالي استفادة النبي من ذلك فيظهر تهافتها مما قدمناه في رد المقدمات السابقة، وأزيد فأقول، إن هاتين الرحلتين لم يكن لهما أثر يذكر في عقيدة القرشيين؛ لأن مقصدهم


الصفحة التالية
Icon