يمكن نكران تضمّن القرآن الكريم لكثير من الألفاظ الواردة على تلك اللهجات لأن القرآن الكريم وإن نزل بلغة قريش فإنه ورد فيه كثير مما بقي من لهجات القبائل الأخرى في ألسنة أهلها (١). وهذا يوافق ما قيل من أنّ اللغة العربية الفصحى إنما هي اختيار لا شعوريّ من لغة قريش وغيرها حدث من احتكاك كثير من أفراد هذه القبائل في مواسم الحج والتجارة والأسواق والتجمعات الأدبية المختلفة (٢).
وقد عدّ الأستاذ عبد الوهاب حمودة الاختلاف الموجود في كثير من القراءات القرآنية راجعا إلى اختلاف اللغات وتعدّد اللهجات (٣).
من هنا يمكن القول أن القراءات القرآنية تعدّ مصدرا مهمّا لمعرفة ودراسة لهجات العرب وما فيها من ظواهر لغوية ونحوية.
وفي كتاب الكنز وردت قراءات كثيرة ضمت ظواهر اللهجات العربية مثل:
أ. قوله تعالى: في الدرك الأسفل [النساء/ ١٤٥] حيث قرأ الكوفيون (الدّرك) بسكون الراء، وقرأ الباقون بالفتح (٤)، وكلتاهما لغتان من لغات من لغات العرب (٥). وقال الزّجّاج: الاختيار فتح الراء لأنه أكثر استعمالا (٦).
ب. قوله تعالى: وما أنتم بمصرخي [إبراهيم/ ٢٢] بكسر الياء في الوصل في قراءة حمزة وبفتحه عند الباقين (٧). وقراءة حمزة هذه لغة من اللغات وهي مطّردة في بني يربوع حكاها الفرّاء وقطرب وأجازها أبو عمرو بن العلاء (٨)؛ لأن الأصل عنده أن في (مصرخيّ) ثلاث ياءات، ياء الجمع وياء الإضافة وياء للمدّ، ثم حذفت ياء المدّ وبقيت ياءان أدغمتا بالكسر الذى هو عوض عن الياء

(١) فقه اللغة (وافي) / ١٢٢.
(٢) ملامح من تاريخ العربية/ ٢٢، ٢٤.
(٣) القراءات واللهجات/ ١٢١، والقراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة/ ٢٤.
(٤) الكنز ٣٩٤.
(٥) الصحاح ٤/ ١٥٨٢.
(٦) الكشف عن وجوه القراءات/ ١/ ٤٠١.
(٧) الكنز/ ٤٥٦.
(٨) القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية/ ٣٢٦، وأوضح المسالك ٣/ ١٩٧.


الصفحة التالية
Icon