وأما جعل هذه الحروف رمزا لاسم من أسماء الله تعالى منفردة أو بوصلها مع بعضها فقد أولع به كثيرون من أهل الرياضات والتعبدات، وراح كل واحد يحملها محامل حسبما يخطر له، فليس مما نرجحه، لعدم انضباطه، أما شواهد كلام العرب فمنضبطة بقرينة تفيد المراد، والله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين.
وبناء على الرأيين الأقوى في تفسير هذه الفواتح لحظ العلماء دقة التناسب بينها وبين السور التي افتتحت بها، وأتوا بعجائب غريبة:
قال الإمام الزركشي رحمه الله (١): «ومن ذلك افتتاح السور بالحروف المقطعة، واختصاص كل واحدة بما بدئت به، حتى لم يكن لترد «الم» في موضع «الر» ولا «حم» في موضع «طس». وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منها فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له، فحق لكل سورة منها ألا يناسبها غير الواردة فيها، فلو وضع «ق» موضع «ن» لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله.
وسورة «ق» بدئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف، من ذكر القرآن، والخلق، وتكرير القول ومراجعته مرارا، و... ، وقول العتيد والرقيب... وحقّيّة الوعيد... وغير ذلك مما هو واضح فيها».
ونضيف إلى ذلك ملاءمة حرف القاف الشديد لموضوع السورة ومعانيها كذلك.
«واشتملت سورة «ص» على خصومات متعددة: فأولها خصومة الكفار مع النبي ﷺ وقولهم: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً. ثم اختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ